الخميس، 6 أغسطس 2009

قضية كشمير


أوبزيرفر:
فظائع مومباي تحتم رفع الضيم عن المسلمين

(الفرنسية)

نشرت صحيفة أوبزيرفر الصادرة اليوم الأحد مقالا للكاتب والمؤرخ البريطاني المعروف عالميا ويليام دالريمبل أكد فيه أن الجماعات الجهادية ستظل تستغل الضيم الذي يتعرض له المسلمون ما لم يتحقق السلام في إقليم كشمير المضطرب. وفيما يلي أبرز ما ورد في المقال:
نص المقال :

قبل ثلاثة أسابيع كنت في العاصمة الكشميرية سرينغار حيث التقيت بالشاب الجراح الدكتور إقبال سالم فوصف لي كيف اقتحمت القوات الهندية يوم 11 أغسطس/آب الماضي المستشفى الذي كان يحاول فيه إنقاذ حياة عدد من المحتجين المدنيين كان الجيش الهندي قد أطلق النار عليهم قبل يوم من ذلك التاريخ.
وقد سقطت قنابل مسيلة للدموع على غرفة العمليات واخترق الرصاص الذي أطلقه الجنود جدران أجنحة المستشفى مما أثار الرعب وتسبب في جرح عدد من الممرضات.
ويقول سالم الذي كان تدرب في مستشفى آبولو في نيودلهي إنه لا يكن أي ضغينة للهندوس أو الهنود, لكن هذا الحادث ولد لديه شعورا عميقا بالاشمئزاز, كما أن أفعال قوات الأمن المتعمدة وما يصاحبها من لا مبالاة الإعلام الهندي أقنعته بأن كشمير لا بد أن تنال استقلالها.
تذكرت ما جرى بيني وبين هذا الدكتور عندما سمعت في الأخبار أن مهاجمي مومباي أغاروا على مستشفيات المدينة إضافة إلى الأهداف الأخرى التي تعتبر طبيعية بالنسبة للمتشددين الإسلاميين من قبيل فنادق الخمس نجوم ومراكز اليهود والمقاهي التي يرتادها عادة الأميركيون والبريطانيون.
عندها أصبحت –بالنسبة لي- إمكانية وجود علاقة بين هؤلاء المهاجمين وبين المنشقين في كشمير أكثر وضوحا, بل يبدو أن هناك الآن إجماعا متزايدا على أن هذه العملية مرتبطة بالجماعة الجهادية في باكستان عسكر طيبة التي يقوم زعيمها حافظ محمد السيد بتنفيذ عملياته علنا من قاعدته خارج لاهور.
واحتمال كون باكستان هي مصدر هذه الهجمات وعلاقتها بالمنظمات الجهادية المهتمة بكشمير يعني أن الأحداث البشعة التي شهدتها مومباي يجب أن توضع في السياق الأوسع لكارثة السياسات الغربية بالمنطقة منذ أحداث 11/9.
"والفشل المذل لإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش في إقناع الشعبين الأفغاني والباكستاني بلفظ الإسلاميين المتشددين، بل وجره الكثير منهم إلى الاقتناع بأن الغرب عدو لتطلعات المسلمين، أديا إلى كارثة لا تزال تداعياتها تتفاقم في أفغانستان " حيث أصبح مقاتلو طالبان الذين كانوا ممقوتين في السابق, على مشارف كابل.
كما أدت التداعيات السيئة للصراع الأفغاني على باكستان إلى فقد حكومة آصف علي زرداري السيطرة على جل المنطقة الشمالية الغربية, ناهيك عن المناطق الفدرالية التي تديرها القبائل, وصاحب ذلك ازدهار للتطرف السياسي والديني لم يسبق له مثيل في هذا البلد.
ولا تزال علاقة جهاز الاستخبارات الباكستاني مع عدد لا يحصى من الجماعات الجهادية تمثل إحدى أكثر المشاكل بباكستان استعصاء على الحل.
لقد اعتقد هذا الجهاز لفترة أنه قادر على استخدام تلك الجماعات لتحقيق أهدافه الخاصة غير أن الجهاديين اتبعوا بصورة متزايدة أجندتهم الخاصة إلى حد الإحساس بالثقة في شن فريق مدرب ومجهز عسكريا لهجوم على التراب الهندي, كما وقع في مومباي.
وقد تبين لي خلال زيارتي لباكستان الأسبوع الماضي أن البلد ينزلق شيئا فشيئا خارج سيطرة الحكومة, ومع أنه لا يرجح أن تكون لحكومة زرداري أي علاقة مباشرة بهجمات مومباي فإن هناك ما يبرر الاعتقاد بأن فشلها الفعلي في سحق شبكات المجاهدين داخل البلاد ومغازلتها لأشخاص مثل حافظ محمد السيد يعنيان أن هجمات بفظاعة تلك التي شهدتها مومباي مرجحة الاستمرار.
وفي هذه الأثناء تواصل الهند صب الزيت على النار عبر المعاملة السيئة للكشميريين, تلك المعاملة التي قدمت للجهاديين جيلا كاملا من أعضاء الطبقة الوسطى المثقفين الغاضبين مما يتعرضون له.
لقد بدا الشاب محمد أجمل محمد غصاب -وهو أحد الذين هاجموا محطة قطار سي أس تي- في الصورة التي تناقلتها وسائل الإعلام حليق الذقن، كما أن الشباب الآخرين الذين شاركوا في العملية كانوا يلبسون –حسب شهود عيان- بنطالات الجينز والنايكي, إنهم لم يكونوا طلاب مدارس فقراء منحدرين من القرى الباكستانية تعرضوا لغسل أدمغتهم من طرف الملالي" وإنما هم شباب مثقفون من الطبقة الوسطى أغضبهم ما يرونه من ظلم شنيع للمسلمين على أيدي الإسرائيليين والأميركيين والبريطانيين والهنود في فلسطين والعراق وأفغانستان وكشمير على التوالي".
وإذا كانت معاملة إسرائيل للفلسطينيين أكثر ما يهيج عواطف مسلمي الشرق الأوسط، فإن معاملة الهنود لشعب كشمير تلعب الدور نفسه بالنسبة لمسلمي جنوب آسيا.
المنطق كان يستدعي أن يضم إقليم كشمير إلى باكستان عند انفصالها عن الهند عام 1947, لكن ولاء سلالة الملوك الهنود (مهراجا) للهند وكون رئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر لال نهرو منحدرا من هذه الولاية، جعلا الهند تتشبث بأن تبقى كشمير جزءا منها شريطة إعطاء أهلها نسبة من الحكم الذاتي.
غير أن الحكومات الهندية المتعاقبة رفضت الوفاء بتعهداتها الدستورية لهذه الولاية, فلم يتم الاستفتاء الذي تعهد به نهرو أمام الأمم المتحدة إزاء ما إذا كانت كشمير يجب أن تظل جزءا من الهند أم لا.
وبعد التزوير الوقح للانتخابات الكشميرية المحلية في عام 1987, توارى الزعماء الكشميريون عن الأنظار وبعد ذلك بقليل بدأت التفجيرات والاغتيالات وتفاقم الوضع في المنطقة بعد دفع أجهزة الاستخبارات الباكستانية بآلاف المجاهدين المدججين بالسلاح إلى حدود باكستان مع كشمير.
وردت الهند على التمرد بوحشية بالغة, ونشرت نصف مليون من قواتها العسكرية وشبه العسكرية لحماية هذا الوادي, وأقدمت على اعتقالات بالجملة وصاحبت ذلك أعمال عنف شديدة ضد المدنيين العاديين, ولم يجر تحقيق في هذه الأعمال -إلا في القليل منها- لا من طرف الحكومة ولا من طرف وسائل الإعلام.
وشُيد مركزا اعتقال (بابا 1 وبابا 2) وتم الزج بعدد كبير من السكان المحليين في غياهبهما و"اختفوا" منذ ذلك الحين, وقد قتل حتى الآن نحو 70 ألف شخص في هذا الصراع.
وبسبب كشمير دخلت باكستان والهند ثلاث حروب غير حاسمة, فيما تحاشتا حربا رابعة عام 1999 أوشكت أن تكون كارثية بعد أن اقترب الطرفان من استخدام الأسلحة النووية.
والآن بعد هجمات مومباي يرجح أن تؤدي قضية كشمير إلى إخراج قطار عملية السلام بين باكستان والهند عن مساره.
فكشمير لا تزال مصدرا لخلافات داخل المؤسسة الرسمية في باكستان, وإذا كان زرداري يصرح علنا بأنه لا يمكن أن يقبل بأن تقف كشمير حجر عثرة في وجه تحسين علاقات بلاده مع الهند, فإن عسكر طيبة المحظورة رسميا لا تزال تنشط تحت اسم "جماعة الدعوة"، كما لا يزال حفيظ محمد السيد يحرض علنا على مهاجمة الأهداف الهندية والغربية, وقد أعلن في اجتماع مؤخرا أن "المسيحيين والهندوس واليهود أعداء للإسلام", مضيفا أن هدف عسكر طيبة هو أن "تجعل العلم الأخضر للإسلام يرفرف خفاقا في سماء واشنطن وتل أبيب ونيودلهي".
ويتوقع في الأشهر القادمة أن تتخذ الهند إجراءات أمنية صارمة وأن تتعرض باكستان لضغوط هائلة كي تترجم حديثها عن وقوفها إلى جانب الهند والدول الغربية بأفعال حقيقية ضد الجماعات الجهادية فيها, "غير أنه لا يتوقع أن يستتب الأمن والسلام في آسيا الجنوبية ما لم يستجب بطريقة أو بأخرى لمطالب الكشميريين وما لم تجفف مستنقعات الظلم في سرينغار. وإلى أن يتحقق ذلك ستبقى مجزرة مومباي نذير شؤم لمزيد من العنف في المستقبل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق